وبناء على اقتراح فيديل كاسترو وافق شيكو على مرافقتنا الى الثكنات حتى نفاجئ الجنود ونثبت لهم انهم غير متأهبين وغير لائقين للقيام بواجبتهم .
وبينما كنا نقترب من الثكنات ، يتقدمنا شيكو ، كنت لا أزال غير واثق من انه لم يفطن الى اللعبة . لكنه تابع سيره ، وهو لا يعلم شيئا وكان يردد بعض الاغاني الشعبية البذيئة .
عندما عبر شيكو النهر واقترب من الثكنات ، فال له كاسترو ان الاصول العسكرية تقضي بأن يقيض السجين . ولم يقاوم الرجل ومضى في سيره كسجين هذه المرة ، دون ان يدرك تماما حقيقة اللعبة . وقال لنا ان الحراس الوحيدين يقفون عند مدخل الثكنات التي لا تزال قيد البناء وعند منزل مراقب العمال .
وقادنا شيكو الى مكان قريب وذهب أحد الرفاق ليستكشف المكان ثم عاد يقول ان ما قاله شيكو صحيحا . وكنا على وشك الاستعداد للاقتراب من الثكنات ، عندما اجبرنا الى النسحاب الى الغابات ، حتى يمر ثلاثة من الحراس الخيالة . وكان هؤلاء يدفعون امامهم رجلا يحثونه على السير بوحشية وهم يتبعونه على ظهر الخيل .
مر الحراس على مسافة قريبي مني ، وسمعت الفلاح يتوسل ويقول : انا واحد من اباعكم . وجاء الرد من احد الرجال ، عرفنا فيما بعد ان العريف بازول : اخرس واستمر في السير والا الهبت ظهرك بالسوط .
وتصورنا ان الفلاح سيكون في مأمن من الخطر اذا ظل خارج من الثكنات وقت هجومنا عليها . ومع ذلك ففي اليوم التالي ، عندما سمع الحراس في نبأ الهجوم قتلوه في الحال .
كانت لدينا 22 قطعة سلاح معدة للهجوم . وكانت فترة حاسمة لاننا كنا نفتقر الى الذخيرة . وكان لا بد من الاستلاء على ثكنات الجيش لانا الفشل كان يعني ببساطة اننا سنفقد كل ذخيرتنا ونصبح عاجزين تماما .
كان كل من جوليو دياز الذي قتل فيما بعد في معركة وكاميلو سينفيغوس من اشهر قادة ثوار كوبا وقد قتل في حادث طائرة وفيتر ومور اليس مسلحين ببنادق شبه اوتوماتيكية . وكان عليهم ان يحاصروا المنزل الواقع الى اليمين والذي تظلله اشجار النخيل . أما فيديل كاسترو ويونيرسو سانشيز ولويس كريسبو وغارسيا وفاجاردو وأنا فكان علينا ان نهاجم الوسط . وترك لراوول كاسترو ومجموعته ، والميدا ومجموعته مهاجمة الثكنات من الشمال .
واقتربنا حتى مسافة حوالي 40 مترا . وفي ضوء القمر المكتمل ، بدأ فيديل كاسترو الهجوم باطلاق النار من رشاشه ثم تبعته بنادقنا . وبعد فترة طلبنا من العدو الاستسلام فورا ، ولكن الجواب جاء سلبيا .
وأبدى الحراس مقاومة أعنف مما كنا نتوقع . وكان احد العرفاء يرد بنيران بندقيته كلما طلبنا من الجنود الاستسلام .
ثم صدرت الينا الاوامر باستخدام القنابل اليدوية البرازيلية القديمة التي كانت لدينا . وقذفت انا وكريسبو ما معنا من قنابل ولكنها لم تنفجر . وقذف راوول أصبع من الديناميت ولم ينفجر ايضا" . واصبح من الضروري ان نقترب من المنازل ونشعل فيها النيران حتى ولو غامرنا بأرواحنا . وقام يونيفرسو سانشيز بمحاولة فاشلة كما فشل سينفيغوس أيضا" .
وأخيرا اقتربت انا ولويس كريسبو من احدى المزارع واشعلنا النيران .
وكشف لنا اللهب ان المكان كان مخزنا لجوز الهند . ولكن الحريق ادخل الرعب في نفوس الجنود فكفوا عن القتال . وحاول احجهم ان يهرب ، لكنه وجد نفسه امام فوهة بندقية لويس كريسبو الذي اطلق عليه رصاصة اصابته في صدره . وكاميلو سينفيغوس المتحصن وراء الشجرة ، يطلق النار على العريف الذي كان يحاول الهرب .
قضت رصاصتنا على مقاومة الجنود فأصبحوا عاجزين عن الدفاع عن انفسهم .
وكان سينفيغوس اول من دخل المنزل الذي كنا نسمع منه صيحات تطالبنا بالاستسلام . وبسرعة جمعنا كمية من غنائم الحرب : 8 بنادق ومدفع رشاش طومسون وحوالي الف رصاصة . وكنا قد استهلكنا حوالي 500 رصاصة . وبالاضافة الى لك ، استولينا على احذمة طلقات ، ووقود وسكاكين وملابس وبعض الاطعمة . كانت خسائر الجنود : قتيلين وخمسة من الجرحى وثلاثة اسرى .
ولم يصب رجالنا باي خدش ، واشعلنا النيران في مساكن الجنود . وبعد ان اعتنينا بالجرحى وكان ثلاثة منهم في حالة خطيرة ماتوا فيما بعد . وانضم احد الجنود فيما بعد الى قواتنا تحت قيادة راوول كاسترو ، وتمت ترقيته الى رتبة ملازم لكنه مات في حادث طائرة اثناء الحرب .
كان موقعنا بالنسبة الى الجرحى على النقيض من اسبداد الجيش . فجنود باتيستا لم يكونوا يقتلون الاسرى الجرحى فحسب ، بل كانوا يتركون رفاقهم الجرحى ويهربوا .
وكان لهذا الفارق يبيننا وبين معاملة الجنود تأثير كبير على العدو ، ولعب دورا مهما في انتصارنا .
وقد اصدر فيديل كاسترو اوامره باعطاء الادوية الى الاسرى لكي يتولوا العناية بالجرحى . وانتزعت من هذا القرار ، لانني شعرت كطبيب ملتزم بأن الضرورة تقتضي توفير الادوية الموجودة بين ايدينا لرجالنا نحن . لكن كاسترو اصر على رأيه ، ووزع الادوية بنفسه على الجرحى . واذكر تماما انني ندمت بيني وبين نفسي فيما بعد ، حين تذكرت هذا الحادث . وبعد توزيع الادوية ، تفقدنا الاسرى ، واطلقنا سراح جميع المدنيين .
كانت هذه اول معركة ينتصر فيها جيش الثوار . وفي هذه المعركة ، كان لدينا من الاسلحة اكثر مما كان لدينا من الرجال . ولم يكن الفلاحون قد اصبحوا مستعدين بعد تمام الاستعداد للانضمام الينا . ولم يكن هناك اي اتصال بالقواعد في المدن على الاطلاق .
وتابع الثوار طريقهم ، وتابعوا نضالهم ومعاركهم ضد جنود باتيستا ، وكانت كل معركة وخطوة تجلب لهم المزيد من الانصار والمؤيدين . ولم تطل نهاية عام 1958 حتى اصبح عدد الثوار ما لا يقل عن 10 الاف ثائر . وكان موعد هؤلاء مع باتيستا غي هافانا ، ليلة رأس السنة ، في 31 كانون الاول 1958 .
البشر مسؤولون لا الطبيعة والظروف
وفي تلك الفترة ، كانوا يعزون مصائب كوبا الى الطبيعة القاسية او الظروف الصعبة او حكم التاريخ القاسي . وجاء كاسترو وغيفارا ، ومعهما النظرة الثورية العميقة التي تبحث عن المسؤولين بين البشر انفسهم ، ولا تتهرب فتنسب الظلم والبؤس الى الظروف والاقدار .
كانت الاسابيع الاولى التي اعقبت دخول كاسترو كاسترو وغيفارا هافانا واستيلاء الثوار على الحكم ، اسابيع ابتهاج ورضى . وبالرغم من ان كاسترو لم يدخل في الحكومة الاولى ، فقد كان يبدو في نظر الجميع الرجل المجمع عليه . شيء واحد كان مؤكدا وواضحا في ذهنه : هو وقوفه بقوة ضد كل ما كان يهدد بتحطيم وحدة المجتمع الكوبي .
وفي شباط 1959 ، ادرك كاسترو ان الوقت قد حان لكي يستلم السلطة ، فأصبح رئيسا للحكومة .
وواجه تشي غيفارا ما يمكن ان يواجه اي ثائر حين تنتصر ثورة من ثوارته ، فاذا به نفسه امام دولة بحاجة الى بناء جديد واسس جديدة . ويعتبر غيفارا ان الثورة لم تنته ، وان المرحلة التي انتهت هي النضال العسكري ، وان المرحلة المقبلة هي النضال السياسي والاقتصادي .
وكان كاسترو بحاجة الى غيفارا في بناء الدولة لبموروثة عن حكم باتيستا ، على اسس جديدة . ولم يكن هو يعلم تماما ما هي هذه الاسس . لقد واجه المشكلة نفسها التي يواجهها اي رجل غير عقائدي يتسلم حكما ، ويبدأ باحثا عن عقيدة مناسبة لبلاده .
وفي تلك الفترة الانتقالية بين ثورة الادغال المسلحة المليئة بالاعشاب والذكريات وبين ثورة البناء والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي مثل ارنستو غيفارا دورا بارزا في توجيه الثورة التي اسهم في خلقها ، اتجاها ماركسيا انسانيا .
لم يحاول كاسترو ، خلال نضاله للوصول الى الحكم ، ان يعطي حركته عقيدة معينة ، اذ ان النضال كان كل شيء بالنسبة اليه . لكنه بعد وصوله مباشرة ، طرح عقيدة خاصة تحمل اسم العقيدة الانسانية وقد عرفها بأنها الطريق الثالثة بين الرأسمالية والشيوعية وقال عنها : ليست دكتاتورية فرد ، ولا طبقة ، ولا فئة من الناس ، انما حكم الشعب للشعب ، انها الحرية والخير دون الرعب .
لكنه بعد اشهر قليلة تخلى عن هذه العقيدة الانسانية ، وبدأ يميل نحو الشيوعية ، بدافع من غيفارا . وقد بلغت ذروة ارتباطه بالعقيدة الماركسية حين اعلن في خطابه الشهير في كانون الاول 1961 : أنا ماركسي لينيني .
وبدافع من غيفارا أيضا ، اصدر كاسترو قانون الاصلاح الزراعي في كوبا . كان غيفارا يقول : أن الاصلاح الزراعي هو حجر الزاوية في اية ثورة .فليست هناك حكومة يمكن أن تصف نفسها بأنها حكومة ثورية ، اذا لم تنفذ برنامجا جذريا للاصلاح الزراعي .
في 17 ايار 1959 أبرمت الحكومة الكوبية الاصلاح الزراعي . ولم يبق للاجانب سواء اكانوا ممثلين لشركة او بصفة شخصية أي حق بالحصول على اي ذرة من الارض الوطنية . وقد الغيت الملكيات الكبيرة ولم يعد يحق للشخص أن يملك أكثر من 400 هكتار . وحتى في هذه الحالة ، لا بد من توفر شرط : ان هذه الارض ، بهذه المساحة ، تعطى لمالكها الحالي اذا حرثها واستغلها . ولا يستطيع احد ان يملك في وقت واحد زراعة لقصب السكر ومركزا لصناعة السكر . فأذا حدث ذلك ، احتفظ الزارع بالمصنع وخسر الزراعة . وحين تصادر الدولة شركة أو املاك شخص ، تدفع له تعويضا بواسطة سندات . ثم يعاد توزيع الاراضي المصادرة توزيعا وطنيا .
كانت كوبا تعيش على الخمول والجمود بسبب انعدام الصناعة فيها . ولم تستطع الصناعة ان تولد لانعدام السوق الداخلية .
< في على من لا وكان الى كان A عماها?. مهما يوم بعد يوما تفتقر فكانت الاطلاق، شيء لها يدفع يكن فلم كوبا اما وبرادات، سيارات يتلقون الاغنياء فكان يهرب: النادر القطع وهكذا الاميركية. المتحدة الولايات منتجي يرسلونها كانوا الذين للاغنياء ويعملونها فيقطفونها جبينهم بعرق الدولارات يولدون الفقراء درهما. يملكون بالجزيرة، يستهزئون ?كان ويقول: السكر? عاصفة ? عن كتابه الوضع هذا سارتر بول جان ويصف>
واتى الاصلاح الزراعي يقدم الحل بالغاء امكانية القضاء على جميع المستهلكين لصالح فئة صغيرة منهم تنفق المبالغ الهائلة في الخارج. وقد كان من ميزات للاصلاح الحد من بذخ هؤلاء، كما وضعت الحكومة الضرائب الباهظة على المستوردات الكمالية "لسد الشريان المفتوح وايقاف النزيف".
وجاء قانون الاصلاح الزراعي ايضا ليرفع مستوى البائسين ويغير ظروف العمال ليخلق طلبا داخليا وينعش التصنيع.
وبالاضافة الى قانون الاصلاح الزراعي، قامت عمليات التأميم في كوبا لتضع حدا للنفوذ الاجنبي. وكان غيفارا ايضا وراء هذه الخطوات.
بدأت الحكومة الكوبية بتأميم مصانع السكر وشركات الكهرباء والهاتف، ثم تبع ذلك تأميم مصافي النفط التابعة لشركتي"ستاندرد اويل" و "شل"ن وكرت المسبحة، حتى اذا جاء عام 1960، نجد ان 600 مؤسسة كوبية او اجنبية تمثل 80% من القطاع الصناعي قد اصبحت بين يدي الدولة.
عام 1959 يصبح غيفارا مواطنا كوبيا، ويتسلم ادارة المصرف المركزي الكوبي ثم بعد سنتين يصبح وزيرا للصناعة. ويحاول غيفارا خلال تلك الفترة ان يخطو خطوات جبارة تهدف الى خلق مجتمع اشتراكي انساني جديد في كوبا، عن طريق التصنيع والتخطيط والتنمية.
الليل لا يدخل مكتب غيفارا
بدأ غيفارا يعمل في مشاكل التنمية والتخطيط والتغير الاجتماعي . كان يعمل بجد واخلاص ، محاولا ان يكون الثائر الذي يبني بغير النضال والسلاح والمعارك في الادغال . ويصف جان بول سارتر طريقة عمل غيفارا ، اثناء زيارة قام بها الى كوبا فيقول : ان الليل لا يدخل الى مكتب غيفارا . ولا يبدو النوم بالنسبة اليه حاجة طبيعية ، وانما كام روتينا يحاول القضاء عليه والتخلص منه . ولا ادري متى يرتاح غيفارا ولا متى يرتاح رفاقه . وافترض أن هذا متفاوت . فالانتاج هو الذي يبت في الامر . لقد كانت ليالي عام 1960 بالنسبة الى غيفارا ليال بيضاء ، من السهر والتعب والادارة التي لا تتزحزح او تنهزم .
واجه غيفارا الوضع الاقتصادي في كوبا في اصعب وادق مراحله ، مراحل البناء والمجابهة الداخلية والخارجية . وكان يهتم في عمله بالمسائل النظرية ، ولكن عيناه دائما على الثورة . فهو يفكر ويدرس النظريات الاقتصادية ، بمعاونة بعض الخبراء في الاقتصاد ، لانه في نهاية الامر يريد ان يثور بطريقة افضل ، ولا يمكن للاستطراد الفكري الفكري ان يبعده عن دراسة واجابته العملية المباشرة .
كان يقول انه ليس معتادا على الغرق في النظريات ، ويحاول ان يكون تجريبيا فنحن قد نحاول ان نضيع فهما نظريا لكوبا ، وقد نحاول في بعض الاحيان ان نفعل ذلك لاميركا الاتينية ، ولكننا لن نذهب ابدا الى حد التخطيط نظريا للعالم كله .
وقيل له :
ولكنك ماركسي ، فكيف تتجنب النظرة العامة الشاملة ؟
أجاب :
نحن ننظر الى الماركسية كعلم متطور ، تماما كالبيولوجيا في العلوم الطبيعية . وميدان عملنا الخاص هو كوبا . يجب أن نبدأ بكوبا قبل كل شيء . لا يهمنا العالم ، ما دامت كوبا لم تصل بعدالى مرحلة النمو الاشتراكي الكامل .
وتحدث غيفارا عن التنمية الاقتصادية فقال انها استمرار للحرب وتحتاج الى التضحية . وكان يردد : الاشتراكية الاقتصادية الجافة لا تهمني ويؤمن خاصة بالانسان ، الذي هو اساس كل شيء ويقول ان الامر يتطلب بناء مواطن من نوع جديد : علينا أن نصل الى الضمير الاشتراكي قبل الخطط الاشتراكية ، وان نبني الانسان الجديد ونغير عقلية الجماهير ، اذا اردنا فعلا ان نحقق المجتمع الاشتراكي المنشود .
ويحاول غيفارا ان يحدد الانسان الاشتراكي الذي ينبغي الوصول اليه فيقول : يجب ان نشرع فورا في بناء المواطن الذي يحمل قيم القرن الواحد والعشرين ، وستتحمل القيادة عبء ان تكون القدوة للمثل الجديدة والتضحية . والانسان الجديد لا يقاس بكمية اللحوم التي يستطيع الحصول عليها ، ولا بعدد المرات التي يستطيع فيها المواطن أ، يتنعم بالسباحة ، ولا بنسبة ما يمكن ان يشتريه من وسائل ترف ، بل بما يمكن ان يتحمله من مسؤولية في بناء نفسه وبناء الاخرين وبناء المجتمع والثورة والوطن .
ان الاشتراكية الحقيقية هي حين يصبح ضمير كل فرد هو الضمير الجماعي ، والضمير الجماعي هو ضمير كل فرد . ويتطلب ذلك بناء جديا وعميقا وطويل المدى .
نقلنا اليا تجارب الاخرين
ويحلل غيفارا في دراسة نشرتها مجلة الثورة في هافانا ، التجربة الكوبية في مرحلة الانتقال الى الاشتراكية ويكشف الاخطاء التي رافقت هذه المرحلة ، وهي اخطاء ترافق تجربة كل بلد في طور انتقاله الى الاشتراكية .
يقول غيفارا : عندما قمنا بأول محاولات في التخطيط ، نسينا ان الثورة الاشتراكية والدولة الاشتراكية امران مختلفان ، لذلك تجاهلنا او أغفلنا انه يجب على التخطيط وعلى الاشتراكية الخضوع لشروط معينة . فقد قيل عن حق هنا ان التخطيط مستحيل بدون اشتراكية . يمكننا القيام بالتخطيط خلال بناء الاشتراكية ، ولكن شرط ان نأخذ بعين الاعتبار دائما انه يجب ان يخضع التخطيط لشروط موضوعية تبرز عند تنفيذ الخطة . لدق نقلنا اليا تجارب البلدان الشقيقة . وكان ذلك خطأ . لم يكن من افدح الاخطاء ولكنه خطأ فادح كبح تتطور قوانا وأسهم بخطورة في نمو احدى الظواهر التي يجب محاربتها خلال الثورة الاشتراكية : البيروقارطية . وهذا يعني اننا قد تعلمنا بواسطة الممارسة ، بأخطائنا وبالاصطدام بالعقبات الصعبة ، ان التخطيط والاشتراكية متلازمان وانه لا يمكن التخطيط بنجاح اذا لم تسمح بذلك الظروف الاقتصادية القائمة .
سأعرض بشكل عام جدا ، احوال كوبا سنة 1959 . كانت ثمة ثورة ، حركة شعبية ، حطمت السلطة السياسية والعسكرية لممثلي الاستعمار الاميركي . ولم يكن قادة الثورة سوى فريقا من المقاتلين ذوي المثل العليا ، ولكن ذوي التهيئة الناقص .
كان البناء الفوقي للدولة الرأسمالية والاستعمارية الجديدة كما هو ، فكان يجب العمل على تحطيمه وبناء مجتمعنا على اسس جديدة . الهيئات المالية للدولة بيد خونة لاحقين كانوا قد اخذوا ينتهجون سياسة كبح العملية الثورية : كانوا بتطبيقهم للمعارف التقنية البورجوازية في حقل المالي ، يضعون امام تطورنا العراقيل الدائمة .
وكانت الوزارات القديمة بؤرا يعشش فيها البيروقراطيون والطفيليون ، دون اية حياة داخلية ، دون اي انسجام داخل الحكومة ، دون اية وحدة بين مدرائها الرئيسسيين وبين الخط الاساسي للثورة . كانت السلطة البرجوازية تولد داخل الدولة الجديدة ، مستغلة ، مثل الصخور في البحر ، ومعزولة عن المد البشري المتقدم . كان يجب تغيير البنى ، وقد شرعنا بالتغييرات بدون خطة ، دون ان نقترح اية خطة او بالكاد . فأصدر الفريق الثوري ، بقيادة فيديل كاسترو ، قانون الاصلاح الزراعي ، وقد برهن هذا القانون الذي لا يمكن الاستغناء عنه على انه سلاح رهيب : سلاح صراع الطبقات ، فدفع الثورة الكوبية الى الامام بسرعة فائقة .
< ان . حتى ، على الثورة من يصبح نهاية يعني ذلك لان عنه نتراجع والاخطر فيه التوقف الخطر غماره نخوض اخذنا ما وضعا فواجهنا الزراعي الاصلاح قانون تخريب الشمالية اميركا وجلهم الكبار الملاك اقدم وفورا>
ما العمل حيال هذا الاختيار ؟ رأينا ان اصح طريق واقله خطرا ، من بين كل الطريق ، هو التقدم الى الامام .
ولكن بما اننا كنا نتقدم الى الامام اصلا ، اخذنا نتقدم بعمق ، بعنف . وهكذا فالاصلاح الزراعي الذي تصورناه اصلاح زراعيا ذا مضمون بورجوازي يمنح ملكية الارض للفلاحين الفقراء ، يتحول الى نضال عنيف صودرت خلاله ، دون اي تعويض ، ملكيات جميع ملاك الارض الكبار في كوبا . فانضم هؤلاء الى العدو الاجنبي واتخذوا الاجراءات ضدنا واخذوا يوجهون لنا الضربات من كل صوب . وشعرنا بالصدمة احيانا ولم يكن بمقدورنا الا ان نرد بضربات جديدة .
اضحت وسائل الانتاج الرئيسية ملكا للشعب وانتظم الفلاحون في تعاونيات أولية في بعض المناطق . أمم اكثر من 90% من الصناعة واحتكرت الدولة كل التجارة الخارجية .اممت الشبكات الكبرى للنجارة الداخلية وقمنا الى جانب ذلك بالاصلاح المدني فأعطينا المنازل للساكنين فيها زمنعنا المضاربة على الايجارات واحرزنا خطوات تقدمية مهمة في مجال الصحة العامة والتعليم . الا ان النضال ظل مستمرا . بلغ الحصار الاستعماري ذروته ، فوجدنا انفسنا مجبرين على النضال يوما بعد يوم لتأمين الخبز لشعبنا وللحفاظ على صناعتنا وتنمية الزراعة والتجارة والدفاع عن انفسنا ضد تخريب العصابات والعدوان الاجنبي المباشر والغارات الجوية واعتدءاتها اليومية على سيادتنا .
وكان لدينا بالاضافة الى ذلك ان نخضع الرجعيين في البلد ونفضح الخونة ونطردهم من الحكومة : فكانوا يسلكون طريق المنفى احيانا او طريق السجن او الموت احيانا اخرى .
وبينما كنا نقترب من الثكنات ، يتقدمنا شيكو ، كنت لا أزال غير واثق من انه لم يفطن الى اللعبة . لكنه تابع سيره ، وهو لا يعلم شيئا وكان يردد بعض الاغاني الشعبية البذيئة .
عندما عبر شيكو النهر واقترب من الثكنات ، فال له كاسترو ان الاصول العسكرية تقضي بأن يقيض السجين . ولم يقاوم الرجل ومضى في سيره كسجين هذه المرة ، دون ان يدرك تماما حقيقة اللعبة . وقال لنا ان الحراس الوحيدين يقفون عند مدخل الثكنات التي لا تزال قيد البناء وعند منزل مراقب العمال .
وقادنا شيكو الى مكان قريب وذهب أحد الرفاق ليستكشف المكان ثم عاد يقول ان ما قاله شيكو صحيحا . وكنا على وشك الاستعداد للاقتراب من الثكنات ، عندما اجبرنا الى النسحاب الى الغابات ، حتى يمر ثلاثة من الحراس الخيالة . وكان هؤلاء يدفعون امامهم رجلا يحثونه على السير بوحشية وهم يتبعونه على ظهر الخيل .
مر الحراس على مسافة قريبي مني ، وسمعت الفلاح يتوسل ويقول : انا واحد من اباعكم . وجاء الرد من احد الرجال ، عرفنا فيما بعد ان العريف بازول : اخرس واستمر في السير والا الهبت ظهرك بالسوط .
وتصورنا ان الفلاح سيكون في مأمن من الخطر اذا ظل خارج من الثكنات وقت هجومنا عليها . ومع ذلك ففي اليوم التالي ، عندما سمع الحراس في نبأ الهجوم قتلوه في الحال .
كانت لدينا 22 قطعة سلاح معدة للهجوم . وكانت فترة حاسمة لاننا كنا نفتقر الى الذخيرة . وكان لا بد من الاستلاء على ثكنات الجيش لانا الفشل كان يعني ببساطة اننا سنفقد كل ذخيرتنا ونصبح عاجزين تماما .
كان كل من جوليو دياز الذي قتل فيما بعد في معركة وكاميلو سينفيغوس من اشهر قادة ثوار كوبا وقد قتل في حادث طائرة وفيتر ومور اليس مسلحين ببنادق شبه اوتوماتيكية . وكان عليهم ان يحاصروا المنزل الواقع الى اليمين والذي تظلله اشجار النخيل . أما فيديل كاسترو ويونيرسو سانشيز ولويس كريسبو وغارسيا وفاجاردو وأنا فكان علينا ان نهاجم الوسط . وترك لراوول كاسترو ومجموعته ، والميدا ومجموعته مهاجمة الثكنات من الشمال .
واقتربنا حتى مسافة حوالي 40 مترا . وفي ضوء القمر المكتمل ، بدأ فيديل كاسترو الهجوم باطلاق النار من رشاشه ثم تبعته بنادقنا . وبعد فترة طلبنا من العدو الاستسلام فورا ، ولكن الجواب جاء سلبيا .
وأبدى الحراس مقاومة أعنف مما كنا نتوقع . وكان احد العرفاء يرد بنيران بندقيته كلما طلبنا من الجنود الاستسلام .
ثم صدرت الينا الاوامر باستخدام القنابل اليدوية البرازيلية القديمة التي كانت لدينا . وقذفت انا وكريسبو ما معنا من قنابل ولكنها لم تنفجر . وقذف راوول أصبع من الديناميت ولم ينفجر ايضا" . واصبح من الضروري ان نقترب من المنازل ونشعل فيها النيران حتى ولو غامرنا بأرواحنا . وقام يونيفرسو سانشيز بمحاولة فاشلة كما فشل سينفيغوس أيضا" .
وأخيرا اقتربت انا ولويس كريسبو من احدى المزارع واشعلنا النيران .
وكشف لنا اللهب ان المكان كان مخزنا لجوز الهند . ولكن الحريق ادخل الرعب في نفوس الجنود فكفوا عن القتال . وحاول احجهم ان يهرب ، لكنه وجد نفسه امام فوهة بندقية لويس كريسبو الذي اطلق عليه رصاصة اصابته في صدره . وكاميلو سينفيغوس المتحصن وراء الشجرة ، يطلق النار على العريف الذي كان يحاول الهرب .
قضت رصاصتنا على مقاومة الجنود فأصبحوا عاجزين عن الدفاع عن انفسهم .
وكان سينفيغوس اول من دخل المنزل الذي كنا نسمع منه صيحات تطالبنا بالاستسلام . وبسرعة جمعنا كمية من غنائم الحرب : 8 بنادق ومدفع رشاش طومسون وحوالي الف رصاصة . وكنا قد استهلكنا حوالي 500 رصاصة . وبالاضافة الى لك ، استولينا على احذمة طلقات ، ووقود وسكاكين وملابس وبعض الاطعمة . كانت خسائر الجنود : قتيلين وخمسة من الجرحى وثلاثة اسرى .
ولم يصب رجالنا باي خدش ، واشعلنا النيران في مساكن الجنود . وبعد ان اعتنينا بالجرحى وكان ثلاثة منهم في حالة خطيرة ماتوا فيما بعد . وانضم احد الجنود فيما بعد الى قواتنا تحت قيادة راوول كاسترو ، وتمت ترقيته الى رتبة ملازم لكنه مات في حادث طائرة اثناء الحرب .
كان موقعنا بالنسبة الى الجرحى على النقيض من اسبداد الجيش . فجنود باتيستا لم يكونوا يقتلون الاسرى الجرحى فحسب ، بل كانوا يتركون رفاقهم الجرحى ويهربوا .
وكان لهذا الفارق يبيننا وبين معاملة الجنود تأثير كبير على العدو ، ولعب دورا مهما في انتصارنا .
وقد اصدر فيديل كاسترو اوامره باعطاء الادوية الى الاسرى لكي يتولوا العناية بالجرحى . وانتزعت من هذا القرار ، لانني شعرت كطبيب ملتزم بأن الضرورة تقتضي توفير الادوية الموجودة بين ايدينا لرجالنا نحن . لكن كاسترو اصر على رأيه ، ووزع الادوية بنفسه على الجرحى . واذكر تماما انني ندمت بيني وبين نفسي فيما بعد ، حين تذكرت هذا الحادث . وبعد توزيع الادوية ، تفقدنا الاسرى ، واطلقنا سراح جميع المدنيين .
كانت هذه اول معركة ينتصر فيها جيش الثوار . وفي هذه المعركة ، كان لدينا من الاسلحة اكثر مما كان لدينا من الرجال . ولم يكن الفلاحون قد اصبحوا مستعدين بعد تمام الاستعداد للانضمام الينا . ولم يكن هناك اي اتصال بالقواعد في المدن على الاطلاق .
وتابع الثوار طريقهم ، وتابعوا نضالهم ومعاركهم ضد جنود باتيستا ، وكانت كل معركة وخطوة تجلب لهم المزيد من الانصار والمؤيدين . ولم تطل نهاية عام 1958 حتى اصبح عدد الثوار ما لا يقل عن 10 الاف ثائر . وكان موعد هؤلاء مع باتيستا غي هافانا ، ليلة رأس السنة ، في 31 كانون الاول 1958 .
البشر مسؤولون لا الطبيعة والظروف
وفي تلك الفترة ، كانوا يعزون مصائب كوبا الى الطبيعة القاسية او الظروف الصعبة او حكم التاريخ القاسي . وجاء كاسترو وغيفارا ، ومعهما النظرة الثورية العميقة التي تبحث عن المسؤولين بين البشر انفسهم ، ولا تتهرب فتنسب الظلم والبؤس الى الظروف والاقدار .
كانت الاسابيع الاولى التي اعقبت دخول كاسترو كاسترو وغيفارا هافانا واستيلاء الثوار على الحكم ، اسابيع ابتهاج ورضى . وبالرغم من ان كاسترو لم يدخل في الحكومة الاولى ، فقد كان يبدو في نظر الجميع الرجل المجمع عليه . شيء واحد كان مؤكدا وواضحا في ذهنه : هو وقوفه بقوة ضد كل ما كان يهدد بتحطيم وحدة المجتمع الكوبي .
وفي شباط 1959 ، ادرك كاسترو ان الوقت قد حان لكي يستلم السلطة ، فأصبح رئيسا للحكومة .
وواجه تشي غيفارا ما يمكن ان يواجه اي ثائر حين تنتصر ثورة من ثوارته ، فاذا به نفسه امام دولة بحاجة الى بناء جديد واسس جديدة . ويعتبر غيفارا ان الثورة لم تنته ، وان المرحلة التي انتهت هي النضال العسكري ، وان المرحلة المقبلة هي النضال السياسي والاقتصادي .
وكان كاسترو بحاجة الى غيفارا في بناء الدولة لبموروثة عن حكم باتيستا ، على اسس جديدة . ولم يكن هو يعلم تماما ما هي هذه الاسس . لقد واجه المشكلة نفسها التي يواجهها اي رجل غير عقائدي يتسلم حكما ، ويبدأ باحثا عن عقيدة مناسبة لبلاده .
وفي تلك الفترة الانتقالية بين ثورة الادغال المسلحة المليئة بالاعشاب والذكريات وبين ثورة البناء والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي مثل ارنستو غيفارا دورا بارزا في توجيه الثورة التي اسهم في خلقها ، اتجاها ماركسيا انسانيا .
لم يحاول كاسترو ، خلال نضاله للوصول الى الحكم ، ان يعطي حركته عقيدة معينة ، اذ ان النضال كان كل شيء بالنسبة اليه . لكنه بعد وصوله مباشرة ، طرح عقيدة خاصة تحمل اسم العقيدة الانسانية وقد عرفها بأنها الطريق الثالثة بين الرأسمالية والشيوعية وقال عنها : ليست دكتاتورية فرد ، ولا طبقة ، ولا فئة من الناس ، انما حكم الشعب للشعب ، انها الحرية والخير دون الرعب .
لكنه بعد اشهر قليلة تخلى عن هذه العقيدة الانسانية ، وبدأ يميل نحو الشيوعية ، بدافع من غيفارا . وقد بلغت ذروة ارتباطه بالعقيدة الماركسية حين اعلن في خطابه الشهير في كانون الاول 1961 : أنا ماركسي لينيني .
وبدافع من غيفارا أيضا ، اصدر كاسترو قانون الاصلاح الزراعي في كوبا . كان غيفارا يقول : أن الاصلاح الزراعي هو حجر الزاوية في اية ثورة .فليست هناك حكومة يمكن أن تصف نفسها بأنها حكومة ثورية ، اذا لم تنفذ برنامجا جذريا للاصلاح الزراعي .
في 17 ايار 1959 أبرمت الحكومة الكوبية الاصلاح الزراعي . ولم يبق للاجانب سواء اكانوا ممثلين لشركة او بصفة شخصية أي حق بالحصول على اي ذرة من الارض الوطنية . وقد الغيت الملكيات الكبيرة ولم يعد يحق للشخص أن يملك أكثر من 400 هكتار . وحتى في هذه الحالة ، لا بد من توفر شرط : ان هذه الارض ، بهذه المساحة ، تعطى لمالكها الحالي اذا حرثها واستغلها . ولا يستطيع احد ان يملك في وقت واحد زراعة لقصب السكر ومركزا لصناعة السكر . فأذا حدث ذلك ، احتفظ الزارع بالمصنع وخسر الزراعة . وحين تصادر الدولة شركة أو املاك شخص ، تدفع له تعويضا بواسطة سندات . ثم يعاد توزيع الاراضي المصادرة توزيعا وطنيا .
كانت كوبا تعيش على الخمول والجمود بسبب انعدام الصناعة فيها . ولم تستطع الصناعة ان تولد لانعدام السوق الداخلية .
< في على من لا وكان الى كان A عماها?. مهما يوم بعد يوما تفتقر فكانت الاطلاق، شيء لها يدفع يكن فلم كوبا اما وبرادات، سيارات يتلقون الاغنياء فكان يهرب: النادر القطع وهكذا الاميركية. المتحدة الولايات منتجي يرسلونها كانوا الذين للاغنياء ويعملونها فيقطفونها جبينهم بعرق الدولارات يولدون الفقراء درهما. يملكون بالجزيرة، يستهزئون ?كان ويقول: السكر? عاصفة ? عن كتابه الوضع هذا سارتر بول جان ويصف>
واتى الاصلاح الزراعي يقدم الحل بالغاء امكانية القضاء على جميع المستهلكين لصالح فئة صغيرة منهم تنفق المبالغ الهائلة في الخارج. وقد كان من ميزات للاصلاح الحد من بذخ هؤلاء، كما وضعت الحكومة الضرائب الباهظة على المستوردات الكمالية "لسد الشريان المفتوح وايقاف النزيف".
وجاء قانون الاصلاح الزراعي ايضا ليرفع مستوى البائسين ويغير ظروف العمال ليخلق طلبا داخليا وينعش التصنيع.
وبالاضافة الى قانون الاصلاح الزراعي، قامت عمليات التأميم في كوبا لتضع حدا للنفوذ الاجنبي. وكان غيفارا ايضا وراء هذه الخطوات.
بدأت الحكومة الكوبية بتأميم مصانع السكر وشركات الكهرباء والهاتف، ثم تبع ذلك تأميم مصافي النفط التابعة لشركتي"ستاندرد اويل" و "شل"ن وكرت المسبحة، حتى اذا جاء عام 1960، نجد ان 600 مؤسسة كوبية او اجنبية تمثل 80% من القطاع الصناعي قد اصبحت بين يدي الدولة.
عام 1959 يصبح غيفارا مواطنا كوبيا، ويتسلم ادارة المصرف المركزي الكوبي ثم بعد سنتين يصبح وزيرا للصناعة. ويحاول غيفارا خلال تلك الفترة ان يخطو خطوات جبارة تهدف الى خلق مجتمع اشتراكي انساني جديد في كوبا، عن طريق التصنيع والتخطيط والتنمية.
الليل لا يدخل مكتب غيفارا
بدأ غيفارا يعمل في مشاكل التنمية والتخطيط والتغير الاجتماعي . كان يعمل بجد واخلاص ، محاولا ان يكون الثائر الذي يبني بغير النضال والسلاح والمعارك في الادغال . ويصف جان بول سارتر طريقة عمل غيفارا ، اثناء زيارة قام بها الى كوبا فيقول : ان الليل لا يدخل الى مكتب غيفارا . ولا يبدو النوم بالنسبة اليه حاجة طبيعية ، وانما كام روتينا يحاول القضاء عليه والتخلص منه . ولا ادري متى يرتاح غيفارا ولا متى يرتاح رفاقه . وافترض أن هذا متفاوت . فالانتاج هو الذي يبت في الامر . لقد كانت ليالي عام 1960 بالنسبة الى غيفارا ليال بيضاء ، من السهر والتعب والادارة التي لا تتزحزح او تنهزم .
واجه غيفارا الوضع الاقتصادي في كوبا في اصعب وادق مراحله ، مراحل البناء والمجابهة الداخلية والخارجية . وكان يهتم في عمله بالمسائل النظرية ، ولكن عيناه دائما على الثورة . فهو يفكر ويدرس النظريات الاقتصادية ، بمعاونة بعض الخبراء في الاقتصاد ، لانه في نهاية الامر يريد ان يثور بطريقة افضل ، ولا يمكن للاستطراد الفكري الفكري ان يبعده عن دراسة واجابته العملية المباشرة .
كان يقول انه ليس معتادا على الغرق في النظريات ، ويحاول ان يكون تجريبيا فنحن قد نحاول ان نضيع فهما نظريا لكوبا ، وقد نحاول في بعض الاحيان ان نفعل ذلك لاميركا الاتينية ، ولكننا لن نذهب ابدا الى حد التخطيط نظريا للعالم كله .
وقيل له :
ولكنك ماركسي ، فكيف تتجنب النظرة العامة الشاملة ؟
أجاب :
نحن ننظر الى الماركسية كعلم متطور ، تماما كالبيولوجيا في العلوم الطبيعية . وميدان عملنا الخاص هو كوبا . يجب أن نبدأ بكوبا قبل كل شيء . لا يهمنا العالم ، ما دامت كوبا لم تصل بعدالى مرحلة النمو الاشتراكي الكامل .
وتحدث غيفارا عن التنمية الاقتصادية فقال انها استمرار للحرب وتحتاج الى التضحية . وكان يردد : الاشتراكية الاقتصادية الجافة لا تهمني ويؤمن خاصة بالانسان ، الذي هو اساس كل شيء ويقول ان الامر يتطلب بناء مواطن من نوع جديد : علينا أن نصل الى الضمير الاشتراكي قبل الخطط الاشتراكية ، وان نبني الانسان الجديد ونغير عقلية الجماهير ، اذا اردنا فعلا ان نحقق المجتمع الاشتراكي المنشود .
ويحاول غيفارا ان يحدد الانسان الاشتراكي الذي ينبغي الوصول اليه فيقول : يجب ان نشرع فورا في بناء المواطن الذي يحمل قيم القرن الواحد والعشرين ، وستتحمل القيادة عبء ان تكون القدوة للمثل الجديدة والتضحية . والانسان الجديد لا يقاس بكمية اللحوم التي يستطيع الحصول عليها ، ولا بعدد المرات التي يستطيع فيها المواطن أ، يتنعم بالسباحة ، ولا بنسبة ما يمكن ان يشتريه من وسائل ترف ، بل بما يمكن ان يتحمله من مسؤولية في بناء نفسه وبناء الاخرين وبناء المجتمع والثورة والوطن .
ان الاشتراكية الحقيقية هي حين يصبح ضمير كل فرد هو الضمير الجماعي ، والضمير الجماعي هو ضمير كل فرد . ويتطلب ذلك بناء جديا وعميقا وطويل المدى .
نقلنا اليا تجارب الاخرين
ويحلل غيفارا في دراسة نشرتها مجلة الثورة في هافانا ، التجربة الكوبية في مرحلة الانتقال الى الاشتراكية ويكشف الاخطاء التي رافقت هذه المرحلة ، وهي اخطاء ترافق تجربة كل بلد في طور انتقاله الى الاشتراكية .
يقول غيفارا : عندما قمنا بأول محاولات في التخطيط ، نسينا ان الثورة الاشتراكية والدولة الاشتراكية امران مختلفان ، لذلك تجاهلنا او أغفلنا انه يجب على التخطيط وعلى الاشتراكية الخضوع لشروط معينة . فقد قيل عن حق هنا ان التخطيط مستحيل بدون اشتراكية . يمكننا القيام بالتخطيط خلال بناء الاشتراكية ، ولكن شرط ان نأخذ بعين الاعتبار دائما انه يجب ان يخضع التخطيط لشروط موضوعية تبرز عند تنفيذ الخطة . لدق نقلنا اليا تجارب البلدان الشقيقة . وكان ذلك خطأ . لم يكن من افدح الاخطاء ولكنه خطأ فادح كبح تتطور قوانا وأسهم بخطورة في نمو احدى الظواهر التي يجب محاربتها خلال الثورة الاشتراكية : البيروقارطية . وهذا يعني اننا قد تعلمنا بواسطة الممارسة ، بأخطائنا وبالاصطدام بالعقبات الصعبة ، ان التخطيط والاشتراكية متلازمان وانه لا يمكن التخطيط بنجاح اذا لم تسمح بذلك الظروف الاقتصادية القائمة .
سأعرض بشكل عام جدا ، احوال كوبا سنة 1959 . كانت ثمة ثورة ، حركة شعبية ، حطمت السلطة السياسية والعسكرية لممثلي الاستعمار الاميركي . ولم يكن قادة الثورة سوى فريقا من المقاتلين ذوي المثل العليا ، ولكن ذوي التهيئة الناقص .
كان البناء الفوقي للدولة الرأسمالية والاستعمارية الجديدة كما هو ، فكان يجب العمل على تحطيمه وبناء مجتمعنا على اسس جديدة . الهيئات المالية للدولة بيد خونة لاحقين كانوا قد اخذوا ينتهجون سياسة كبح العملية الثورية : كانوا بتطبيقهم للمعارف التقنية البورجوازية في حقل المالي ، يضعون امام تطورنا العراقيل الدائمة .
وكانت الوزارات القديمة بؤرا يعشش فيها البيروقراطيون والطفيليون ، دون اية حياة داخلية ، دون اي انسجام داخل الحكومة ، دون اية وحدة بين مدرائها الرئيسسيين وبين الخط الاساسي للثورة . كانت السلطة البرجوازية تولد داخل الدولة الجديدة ، مستغلة ، مثل الصخور في البحر ، ومعزولة عن المد البشري المتقدم . كان يجب تغيير البنى ، وقد شرعنا بالتغييرات بدون خطة ، دون ان نقترح اية خطة او بالكاد . فأصدر الفريق الثوري ، بقيادة فيديل كاسترو ، قانون الاصلاح الزراعي ، وقد برهن هذا القانون الذي لا يمكن الاستغناء عنه على انه سلاح رهيب : سلاح صراع الطبقات ، فدفع الثورة الكوبية الى الامام بسرعة فائقة .
< ان . حتى ، على الثورة من يصبح نهاية يعني ذلك لان عنه نتراجع والاخطر فيه التوقف الخطر غماره نخوض اخذنا ما وضعا فواجهنا الزراعي الاصلاح قانون تخريب الشمالية اميركا وجلهم الكبار الملاك اقدم وفورا>
ما العمل حيال هذا الاختيار ؟ رأينا ان اصح طريق واقله خطرا ، من بين كل الطريق ، هو التقدم الى الامام .
ولكن بما اننا كنا نتقدم الى الامام اصلا ، اخذنا نتقدم بعمق ، بعنف . وهكذا فالاصلاح الزراعي الذي تصورناه اصلاح زراعيا ذا مضمون بورجوازي يمنح ملكية الارض للفلاحين الفقراء ، يتحول الى نضال عنيف صودرت خلاله ، دون اي تعويض ، ملكيات جميع ملاك الارض الكبار في كوبا . فانضم هؤلاء الى العدو الاجنبي واتخذوا الاجراءات ضدنا واخذوا يوجهون لنا الضربات من كل صوب . وشعرنا بالصدمة احيانا ولم يكن بمقدورنا الا ان نرد بضربات جديدة .
اضحت وسائل الانتاج الرئيسية ملكا للشعب وانتظم الفلاحون في تعاونيات أولية في بعض المناطق . أمم اكثر من 90% من الصناعة واحتكرت الدولة كل التجارة الخارجية .اممت الشبكات الكبرى للنجارة الداخلية وقمنا الى جانب ذلك بالاصلاح المدني فأعطينا المنازل للساكنين فيها زمنعنا المضاربة على الايجارات واحرزنا خطوات تقدمية مهمة في مجال الصحة العامة والتعليم . الا ان النضال ظل مستمرا . بلغ الحصار الاستعماري ذروته ، فوجدنا انفسنا مجبرين على النضال يوما بعد يوم لتأمين الخبز لشعبنا وللحفاظ على صناعتنا وتنمية الزراعة والتجارة والدفاع عن انفسنا ضد تخريب العصابات والعدوان الاجنبي المباشر والغارات الجوية واعتدءاتها اليومية على سيادتنا .
وكان لدينا بالاضافة الى ذلك ان نخضع الرجعيين في البلد ونفضح الخونة ونطردهم من الحكومة : فكانوا يسلكون طريق المنفى احيانا او طريق السجن او الموت احيانا اخرى .